فصل: من فوائد الألوسي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{إِنَّ الذين توفاهم الملائكة} بيان لحال القاعدين عن الهجرة إثر بيان القاعدين عن الجهاد، أو بيان لحال القاعدين عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والجهاد معه من المنافقين عقب بيان حال القاعدين من المؤمنين، و{توفاهم} يحتمل أن يكون ماضيًا، وتركت علامة التأنيث للفصل ولأن الفاعل غير مؤنث حقيقي، ويحتمل أن يكون مضارعًا، وأصله تتوفاهم فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا، وهو لحكاية الحال الماضية، ويؤيد الأول قراءة من قرأ {توفتهم}، والثاني قراءة إبراهيم {توفاهم} بضم التاء على أنه مضارع وفيت بمعنى أن الله تعالى يوفي الملائكة أنفسهم، فيتوفونها أي يمكنهم من استيفائها فيستوفونها، وإلى ذلك أشار ابن جني، والمراد من التوفي قبض الروح، وهو الظاهر الذي ذهب إليه ابن عباس رضي الله تعالى عنه.
وعن الحسن أن المراد به الحشر إلى النار، والمراد من الملائكة ملك الموت وأعوانه، وهم كما في «البحر» ستة: ثلاثة لأرواح المؤمنين، وثلاثة لأرواح الكافرين، وعن الجمهور أن المراد بهم ملك الموت فقط وهو من إطلاق الجمع مرادًا به الواحد تفخيمًا له وتعظيمًا لشأنه، ولا يخفى أن إطلاق الجمع على الواحد لا يخلو عن بعد، والتحقيق أنه لا مانع من نسبة التوفي إلى الله تعالى وإلى ملك الموت وإلى أعوانه، والوجه في ذلك أن الله تعالى هو الآمر بل هو الفاعل الحقيقي، والأعوان هم المزاولون لإخراج الروح من نحو العروق والشرايين والعصب، والقاطعون لتعلقها بذلك، والملك هو القابض المباشر لأخذها بعد تهيئتها، وفي القرآن {الله يَتَوَفَّى الأنفس} [الزمر؛ 42] و{يتوفاكم مَّلَكُ الموت الذي وُكّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11] و{تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام: 61] ومثله {توفاهم الملائكة}.
{ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ} بترك الهجرة واختيار مجاورة الكفار الموجبة للإخلال بأمور الدين، أو بنفاقهم وتقاعدهم عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعانتهم الكفرة، فقد أخرج الطبراني عن ابن عباس «أنه كان قوم بمكة قد أسلموا فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهوا أن يهاجروا وخافوا فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية».
وأخرج ابن جرير عن الضحاك «إن هؤلاء أناس من المنافقين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فلم يخرجوا معه إلى المدينة وخرجوا مع مشركي قريش إلى بدر فأصيبوا فيمن أصيب فأنزل الله فيهم هذه الآية» وروي عن عكرمة أن الآية نزلت في قيس بن الفاكه بن المغيرة والحرث بن زمعة بن الأسود وقيس بن الوليد بن المغيرة وأبي العاص بن منبه بن الحجاج، وعلي بن أمية بن خلف كانوا قد أسلموا واجتمعوا ببدر مع المشركين من قريش فقتلوا هناك كفارًا، ورواه أبو الجارود عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه، و{ظَالِمِى} منصوب على الحالية من ضمير المفعول في {توفاهم} وإضافته لفظية فلا تفيده تعريفًا، والأصل ظالمين أنفسهم.
{قَالُواْ} أي الملائكة عليهم السلام للمتوفين توبيخًا لهم بتقصيرهم في إظهار إسلامهم وإقامة أحكامه وشعائره أو قالوا تقريعًا لهم وتوبيخًا بما كانوا فيه من مساعدة الكفرة وتكثير سوادهم وانتظامهم في عسكرهم وتقاعدهم عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم {فِيمَ كُنتُمْ} أي في أي شيء كنتم من أمور دينكم وحذفت ألف ما الاستفهامية المجرورة وفاءًا بالقاعدة، وتكتب متصلة تنزيلًا لها مع ما قبلها منزلة الكلمة الواحدة، ولهذا تكتب إلى وعلى وحتى في إلام وعلام وحتى م بالألف ما لم يوقف على م بالهاء، ولكن السؤال كما علمت طابقه الجواب بقوله تعالى: {قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ في الأرض} وإلا فالظاهر في الجواب كنا في كذا، أو لم نكن في شيء، والجملة استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية سؤال الملائكة كأنه قيل: فماذا قال أولئك المتوفون في الجواب؟ فقيل: قالوا في جوابهم: كنا مستضعفين في أرض مكة بين ظهراني المشركين الأقرباء.
والمراد أنهم اعتذروا عن تقصيرهم في إظهار الإسلام وإدخالهم الخلل فيه بالاستضعاف والعجز عن القيام بمواجب الدين بين أهل مكة فلذا قعدوا وناموا، أو تعللوا عن الخروج معهم؛ والانتظام في ذلك الجمع المكسر بأنهم كانوا مقهورين تحت أيديهم، وأنهم فعلوا ذلك كارهين، وعلى التقديرين لم تقبل الملائكة ذلك منهم كما يشير إليه قوله سبحانه: {قَالُواْ} أي الملائكة {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله واسعة فتهاجروا فِيهَا} أي إن عذركم عن ذلك التقصير بحلولكم بين أهل تلك الأرض أبرد من الزمهرير إذ يمكنكم حل عقدة هذا الأمر الذي أخل بدينكم بالرحيل إلى قطر آخر من الأرض تقدرون فيه على إقامة أمور الدين كما فعل من هاجر إلى الحبشة وإلى المدينة، أو إن تعللكم عن الخروج مع أعداء الله تعالى لما يغيظ رسوله صلى الله عليه وسلم بأنكم مقهورون بين أولئك الأقوام غير مقبول لأنكم بسبيل من الخلاص عن قهرهم متمكنون من المهاجرة عن مجاورتهم والخروج من تحت أيديهم.
{فَأُوْلَئِكَ} الذي شرحت حالهم الفظيعة {مَأْوَاهُمُ} أي مسكنهم في الآخرة {جَهَنَّمَ} لتركهم الفريضة المحتومة، فقد كانت الهجرة واجبة في صدر الإسلام، وعن السدي كان يقول: من أسلم ولم يهاجر فهو كافر حتى يهاجر، والأصح الأول أو لنفاقهم وكفرهم ونصرتهم أعداء الله تعالى على سيد أحبائه عليه الصلاة والسلام، وعدم التقييد بالتأييد ليس نصًا في العصيان بما دون الكفر، وإنما النص التقييد بعدمه، واسم الإشارة مبتدأ أول، و{مَأْوَاهُمُ} مبتدأ ثان، و{جَهَنَّمَ} خبر الثاني وهما خبر الأول، والرابط الضمير المجرور، والمجموع خبر إن، والفاء لتضمن اسمها معنى الشرط، وقوله سبحانه: {قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ} في موضع الحال من الملائكة، وقد معه مقدرة في المشهور، وجعله حالًا من الضمير المفعول بتقدير قد أولا، ولهم آخرًا بعيد، أو هو الخبر والعائد فيه محذوف أي لهم، والجملة المصدرة بالفاء معطوفة عليه مستنتجة منه ومما في (خبره)، ولا يصح جعل شيء من {قَالُواْ} الثاني، والثالث خبرًا لأنه جواب، ومراجعة فمن قال: لو جعل {قَالُواْ}: الثاني خبرًا لم يحتج إلى تقدير عائد فقد وهم، وقيل: الخبر محذوف تقديره هلكوا ونحوه، و{تهاجروا} منصوب في جواب الاستفهام وقوله تعالى: {الشراب وَسَاءتْ} من باب بئس أي بئست {مَصِيرًا} والمخصوص بالذم مقدر أي مصيرهم أو جهنم.
واستدل بعضهم بالآية على وجوب الهجرة من موضع لا يتمكن الرجل فيه من إقامة دينه، وهو مذهب الإمام مالك، ونقل ابن العربي وجوب الهجرة من البلاد الوبيئة أيضًا، وفي «كتاب الناسخ والمنسوخ» أنها كانت فرضًا في صدر الإسلام فنسخت وبقي ندبها، وأخرج الثعلبي من حديث الحسن مرسلًا «من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرًا من الأرض استوجبت له الجنة، وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم» وقد قدمنا لك ما ينفعك هنا فتذكر. اهـ.

.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} في سبب نزولها ثلاثة أقوال:
أحدها: أن أناسًا كانوا بمكة قد أقروا بالإِسلام، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إِلى بدر لم تدع قريش أحدًا إِلا أخرجوه معهم، فقتل أولئك الذين أقروا بالإِسلام، فنزلت فيهم هذه الآية، رواه عكرمة عن ابن عباس.
وقال قتادة: نزلت في أناس تكلموا بالإِسلام فخرجوا مع أبي جهل، فقتلوا يوم بدر، واعتذروا بغير عذر، فأبى الله أن يقبل منهم.
والثاني: أن قومًا نافقوا يوم بدر، وارتابوا، وقالوا: غرّ هؤلاء دينهم وأقاموا مع المشركين حتى قتلوا، فنزلت فيهم هذه الآية.
رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: أنها نزلت في قوم تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يخرجوا معه، فمن مات منهم قبل أن يلحق بالنبي، ضربت الملائكة وجهه ودبره، رواه العوفي عن ابن عباس.
وفي التوّفي قولان:
أحدهما: أنه قبض الأرواح بالموت، قاله ابن عباس، ومقاتل.
والثاني: الحشر إِلى النار، قاله الحسن.
قال مقاتل: والمراد بالملائكة ملك الموت وحده.
وقال في موضع آخر: ملك الموت وأعوانه، وهم ستة، ثلاثة يَلون أرواح المؤمنين، وثلاثة يَلون أرواح الكفّار.
قال الزجاج: {ظالمي أنفسهم} نصب على الحال، والمعنى: تتوفّاهم في حال ظلمهم أنفسهم، والأصل.
ظالمين، لأن النون حذفت استخفافًا.
فأما ظلمهم لأنفسهم، فيحتمل على ما ذكر في قصّتهم أربعة أقوال:
أحدها: أنه ترك الهجرة، والثاني: رجوعهم إلى الكفر، والثالث: الشك بعد اليقين.
والرابع: إِعانة المشركين.
قوله تعالى: {فيم كنتم} قال الزجاج: هو سؤال توبيخ، والمعنى: كنتم في المشركين أو في المسلمين.
قوله تعالى: {قالوا كنّا مستضعفين في الأرض} قال مقاتل: كنا مقهورين في أرض مكة، لا نستطيع أن نذكر الإِيمان، قالت الملائكة: {ألم تكن أرض الله واسعة} يعني المدينة {فتهاجروا فيها} يعني: إليها.
وقول الملائكة لهم يدل على أنهم كانوا يستطيعون الهجرة. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ}
هؤلاء هم الذين يظلمون أنفسهم بعدم المشاركة في الجهاد وهذا ما يحدث لهم عندما تقبض الملائكة أرواحهم. والتوفي معناه القبض؛ فيقال: توفيت دَيْني أي قبضته مستوفيًا. ويقال: توفي الله الإنسان أي قبضه إليه مستوفيًا. والقبض له أمر أعلى، وهو الحق. ومن بعد ذلك هناك موكل عام هو عزرائيل ملك الموت، وهناك معاونون لعزرائيل وهم الملائكة. فإذا نسبت الوفاة فهي تنسب مرة لله، فالله يتوفى: لأنه الآمر الأعلى، وتنسب الوفاة للملائكة في قوله: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام: 61].
وتنسب الوفاة إلى عزرائيل.
{قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11].
وإذا ما أطلق الحق هذه الأساليب الثلاثة في وصف عملية الوفاة فهل هذا اختلاف وتناقض وتضارب في أساليب القرآن؟ لا، بل هو إيضاح لمراحل الولاية التي صنعها الله، فهو الآمر الأعلى يصدر الأمر إلى عزرائيل، وعزرائيل يطلق الأمر لجنوده. وفي حياتنا ما يشرح لنا هذا المثل- ولله المثل الأعلى- فالتلميذ قد يذهب إلى المدرسة بعد امتحان آخر العام ويعود إلى بيته قائلًا: لقد وجدت نفسي راسبًا، والسبب في ذلك هم المدرسون الذين قصدوا عدم إنجاحي.
ويرد عليه والده: المدرسون لم يفعلوا ذلك، ولكن اللوائح التي وضعتها الوزارة لتصحيح الامتحانات هي التي جعلتك راسبًا. فيرد التلميذ: لقد جعلني الناظر راسبًا. وهذا قول صحيح؛ لأن الناظر يطبق القوانين التي يحكم بمقتضاها على الطالب أن يكون ناجحا أو راسبا. وقد يقول التلميذ: إن وزير التربية والتعليم هو من جعلني راسبًا. وهذا أيضًا صحيح؛ لأن الوزير يرسم مع معاونية الخطوط الأساسية التي يتم حساب درجات كل تلميذ عليها، فإذا قال التلميذ: لقد جعلتني الدولة راسبًا، فهو قول صحيح؛ لأنه فهم تسلسل التقنين إلى مراحل العلو المختلفة، وأي حلقة من هذه الحلقات تصلح أن تكون فاعلًا. ومن هنا نفهم أن الحق سبحانه حين يقول: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42].